الاثنين، 8 يونيو 2015

القدس والأدب والثقافة


الثقافة والأدب والقدس
د.محمد عبيد الله
(1)
ما القدس؟
 أهي صعبة التعريف؟ أم أنها من البدهيات؟ ومن باب "المعرف" و"المعروف" مما لا يلزمه التعريف؟ أنأخذ تعريفها من الدلالة اللغوية؟ أم من معاجم البلدان والجغرافيا؟ أم من وجودها التاريخي وصولا إلى وجودها الواقعي-الراهن؟ أهي ما آلت إليه، أم هي مجموع حقبها ومراحلها على مر التاريخ؟ أهي المكان أم الزمان أم الإنسان؟ أهي الموقع والموضع والبيئة؟ أهي خليط من كل ذلك؟ وهل تضيف تأملاتنا "الثقافية" تعريفات أو تحديدات مهمة للمدينة؟؟
كتب جبرا إبراهيم جبرا عام 1965:
"مدينة القدس ليست مجرد مكان: إنها زمان أيضا. فهي لا يمكن أن ترى بوضوح ضمن نطاقها الجغرافي المحدود وحسب، لأنها حينئذ لن تفهم. إنها يجب أن ترى في منظورها التاريخي، وترى كأن التاريخ –تاريخ أربعة آلاف من السنين-اجتمع في لحظة واحدة، هي اللحظة التي يراها المرء فيها. في هذه المدينة التاريخ حي، ينطق به كل حجر. إنه تاريخ مليء بالتناقض، مليء بالفجيعة. ولكنه أيضا تاريخ مدينة عشقتها البشرية جمعاء، لأنها لم تكن يوما مجرد مدينة مكانية من حجر وطين وتجارة وسياسية. لقد كانت دوما مدينة الحلم والتوق وتطلع النفس البشرية إلى الله. لقد وقفت شامخة على جبل، تنظر إلى البحر من جهة وإلى البادية من جهة أخرى. وبين جدرانها جمعت معاني البحر ومعاني البادية: قوتين حضاريتين في تفاعل أبدي. وفي هذا التفاعل سر مأساتها وسر عظمتها"[1].
وكتبت حذام قدورة وسهام ملكاوي عام 2009 عن شخصية القدس استنادا إلى مزيج من الرؤى من أبرزها رؤئ: جمال حمدان وعبد الوهاب المسيري وحسن فتحي لعل هذه الرؤى تعين في قراءة شخصية مدينة القدس التي تتجمع فيها تداخلات شتى وتفيض أو تزيد عن الأدوات المعهودة في قراءة المدن. وتنوه الباحثتان بقراءة جمال حمدان انطلاقا من ثنائية (الموضع والموقع)[2]. وتقول الباحثتان في ضوء ذلك: "وتفلت المدن التي تمتلك مواضع خارقة من كل حتم جغرافي. ثمة أحداث ورؤى، معتقدات كانت أم خرافات، هي التي تحدد في نهاية المطاف انتخابها المكاني وفق عوامل عاطفية غير تعقلية؛ بمعنى أنها عوامل ميتافيزيقية. هي مدن لا تخضع للمنطق الجغرافي في نشأتها. أما مدينة القدس فهي تختلف عن غيرها من المدن الدينية التي تمتلك مواضع خارقة كمكة والمدينة. فانتخابها المكاني يتحدد وفقا لنقطة ما مقدسة في المدينة....وإذا كانت فلسطين في قلب عالم العرب، فإن القدس هي قلب فلسطين. وهنا يتقاطع الموقع مع الموضع لتتحدد شخصية المدينة. فللمدينة موقع فعال يحمل مغزى ودلالة بشرية ومدنية....ولتكون القدس مدينة موضع وموقع معا"[3].
تمتلك القدس –المدينة الأسيرة المحتلة- سحرها النادر الخاص، وتمتلك جاذبيتها وأسئلتها وتحدياتها، مستندة إلى رمزيتها المركبة، ووظيفتها الثقافية-الحضارية، وإلى "قدرها" المتكرر بوصفها مدينة الحرب والسلام معا. وبوصفها مطمحا تطلع إليه المحتلون وبنوا من أجله سردياتهم التي أسست لاحتلالاتهم على مر التاريخ. إنها مدينة كنعانية عريقة القدم موغلة في التاريخ. وهي أيضا مدينة دينية، جللتها القداسة وارتبط بها الوجدان الإنساني كله. وقد مثلت قبلة أولى للمسلمين، كأنها الاتجاه المقدس الذي يتطلعون إليه لتجتمع فيه الأبصار والقلوب والنيات والآمال. ومثلت موقعا مؤثرا من خلال حضورها في قصة "الإسراء والمعراج" بوصفها نقطة الرحيل إلى السماء. وباركها القرآن وما حولها في آية الإسراء "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" (الإسراء، الآية1).  وأما ارتباطها بعمر بن الخطاب وعهدته العمرية فمثلت دخولها في الإسلام صلحا، مع الاحتفاظ بطوابعها المسيحية وبحرية كنائسها وعباداتها. ومذ ذاك مثلت رمزا صادقا للتسامح والتآلف بين المسلمين والمسيحيين، وظل المسجد جارا للكنيسة يحيي كل منهما الآخر كل يوم. إنها الزمان والمكان..التاريخ والجغرافيا..السماوي والأرضي..الحرية والانعتاق..الواقعي والمتخيل..الشعري والسردي..الممكن والمستحيل..الواضح والغامض...إنها مجمع الثنائيات وجوهر التقائها..وهذا شيء من معنى جبرا: إنها زمان ومكان معا. وشيء من معنى: إنها موضع وموقع في آن.

 (2)
في عهدها القريب تعرضت للقدس للاحتلال، الذي قلب حياتها وهدد وجودها، ولم يكتف الاحتلال البغيض بما يقوم به على الأرض فعليا، وإنما امتد الصراع إلى ذاكرة القدس وتاريخها وهويتها وثقافتها، فجرت عملية تزوير واسعة النطاق قادها الأدب والفكر الصهيوني وروج لها ترويجا واسعا: من خلال علم آثار مزور ومن خلال سرديات أسطورية يجري تحويلها قسرا إلى واقع على الأرض، ومن خلال أشعار وروايات وسير وقصص ورسومات وفنون وأشكال "ثقافية" كثيرة يجري دعمها وترويجها تماما كما يدعم جيش الاحتلال. ولا نريد أن نتحدث عن صورة القدس في الثقافة الصهيونية فلهذا الموضوع مظانه ومتخصصوه ولكننا نلمح إليه لنشير أن الصراع اللغوي والثقافي هو قسيم أساسي في معركة القدس وفي مواجهة الاحتلال.
وما تزال محاولات الاحتلال مستمرة في إيذاء المدينة والاعتداء عليها وتزوير حقيقتها، وهو لا يكتفي بتهويد المدينة والإمعان في اتخاذ خطوات تدريجية متسارعة في هذا السبيل، وإنما يقوم بذلك مترافقا مع احتلال تاريخها وثقافتها وسرقة هويتها، ويتم ذلك بأدوات لغوية وتاريخية وفكرية تشارك في الحرب على القدس. لقد تم اختصار القدس في صورة مدينة يهودية في كتاب شارك فيه أدباء عرب كتبوا عن مدن أخرى، أما القدس فتم تقديمها كمدينة يهودية يكتب عنها كاتب يهودي غاز لا حظ له من ذاكرة المديمة. ومنحت نوبل لأديب صهيوني أقام في بيت احتله له الجنود في القدس بينما منحت نوبل لمرة واحدة لأديب عربي لم يكتب كلمة واحدة عن القدس ولا عن الصراع العربي الصهيوني. وتخصص عدد من مدعي الثقافة الصهيونية للتحقق من صدق الصور التي نشرها إدوارد سعيد في سيرته خارج المكان وفزعوا من تأثير الصور وذكريات إدوارد عن قدسه وبيت طفولته.
 تدور المعركة الثقافية حول القدس بأسلحة متعددة خطرة، وهي مرافقة وموازية لما يدور على الأرض من حرب غير متكافئة تتفوق فيها الآلة العسكرية الظالمة على المدينة المقدسة العزلاء، وعلى حراسها القليلين الصامدين. ولكن أين نحن في هذه المعركة؟ أية ثقافة أقوى وأشد رسوخا؟؟ وهل يمكن أيضا أن ننهزم ثقافيا وفكريا امتدادا لهزيمتنا العسكرية والسياسية؟؟ ومن يدير تلك المعركة؟ هل هي معركة المقدسيين وحدهم؟ أم هي معركة الفلسطينيين منفردين؟ أم هي معركة تخص الأمة العربية والإسلامية أيضا؟؟ هل هذه استفسارات سياسية أم ثقافية وهل تنفصل الثقافة عن السياسة وعن الحرب الدائرة على كل شبر ومعلم ولون وخط وحرف وحجر وحبة رمل في القدس؟؟
تمتلك الثقافة العربية في مسألة القدس فرصا لا حصر لها للمقاومة التي تفضي إلى تحقيق إنجازات كثيرة تبقي الطريق مفتوحا للحفاظ على الهوية الثقافية للمدينة، وتعيق ما يمارسه الاحتلال من محو وتهويد مستمرين، تمتلك الثقافة فرصا لتخوض معركتها بروح جديدة فتجدد مراحل من المقاومة الثقافية التي لم تتوقف. ولسنا نقصد ثقافة بكائية مهما تكن الغنائية مطلوبة أو قريبة من الروح. لا نريد لوتر الغناء الذي يسيطر على وعينا وصوتنا الشعري منذ القديم أن يتسيد التعبير عن القدس كي لا تتحول القدس إلى أطلال جديدة نبكيها، ولا لتصير أندلسا جديدة نوظفها في بكائياتنا...فالقدس ليست الأندلس وليست اي مكان حل فيه العرب والمسلمون ثم رحلوا.. ليست القدس مكانا قابلا للاستبدال أو للنسيان أو التنازل...إنها هوية جمعية بكل معنى..مقدسيا وفلسطينيا وعربيا..وبهذا الوعي نريد للثقافة أن تتعامل معها. بوصفها القدس الصامدة المقاومة..ولا نريد أن نجدد رثاء المدن، فالقدس حية مستقلة حرة كما يريد لها الضمير الثقافي الجمعي..

 (3)
يتسع مدلول الثقافة لمعان لا تكاد تحصر، ومن بين ما تدل عليه ارتباطها بالتعلم والتقدم والتحضر، كما أنها تعني أسلوب أو نمط حياة، أو هوية لجماعة أو فرد، وقد تقصر أحيانا على الإنتاج الأدبي والفني، وقد تتسع قليلا لتشمل المعرفة والعلم. يوصف بها الأفراد كما توصف بها الشعوب والجماعات...وقد تقسم إلى أنماط فيقال: ثقافة نخبة، وثقافة شعبية وقد يقال: ثقافة المرأة وثقافة الطفل...في وصف أنواع تخص فئات محددة داخل المجتمع..وقد تمتد لتشمل أمورا تتصل بالإدارة والصناعة الثقافية وبالظروف المعيشية والاجتماعية واليومية لمن يرتبطون بالثقافة وبإنتاجها وإدارتها. وقد تحد –أحيانا- بالجوانب المعنوية والروحية دون المادية (التي تشملها الحضارة) وقد يتداخل الجانبان المعنوي والمادي في صورة من صور تجاوز الظواهر الإنسانية حدود التعريفات.
وهناك تعريف قديم معروف وضعه تايلور حيث عرف الثقافة بأنها "كل مركب يشمل المعرفة والعقيدة والفن والقانون والأخلاق والممارسات وأي إمكانات أو عادات يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع".
حين نفكر في علاقة القدس بالثقافة من جهة، وفي دور الثقافة في خدمة القدس لا بأس أن نستعيد هذه المعالم والخطوط مما تعنيه الثقافة وتدل عليه في امتداداتها المتنوعة. ونقرب بها من معنى "الهوية" أي ما يطبع الجماعة بطابعه وما يجعل كل فرد من تلك الجماعة منتميا بدرجة ما إلى تلك الهوية. أما المبدعون أو المنتجون في مثل هذا الحال فهم لسان حال الجماعة، وسبيلها لتعريف نفسها والدفاع عن ذاتها، ومقاومة ما يتعرضون له من محاولات "المحو" وإلغاء الهوية أو تضبييبها وإخفاء معالمها.
وفي ضوء ذلك يتحمل المثقف دورا مضاعفا، إذ مهما تكن صورة الواقع مهزومة وسيئة وقبيحة ومهما تكن معاناته الشخصية كإنسان يعيش ذلك الواقع فإن ما يميزه عن غيره إن كان مثقفا بالمعنى الجوهري إيمانه بدوره ورؤيته لجوهر الصراع الذي لا يتوقف عند مرحلة أو حدث أو معركة من المعارك. ولذلك فإنه مع أهمية تقديم الصورة الراهنة أو الواقعية فإن عليه أن يقدم الصورة المأمولة ويقدم بريق الأمل لا ليكذب على مجتمعه، وإنما لأنه يرى حقا أطياف الأمل وبذور الانتصار وهي تولد من وسط الخراب. يراها في التاريخ ويقرأ استمرارها وحضورها. الأديب والمثقف ينبغي أن لا يهزم إن هزم العسكر والساسة واعترفوا بالأمر الواقع. الأدب يقرأ الواقع ويعايش الهزائم ويصورها ويسجلها ولكنه أيضا يقدم في قراءته تلك الرؤية التي تتجاوز الواقع وقواعده وظروفه ليتجاوز كل ذلك مستندا إلى قوة الثقافة وقوة الحق، وإلى مسؤوليته الأخلاقية والجمالية للدفاع عن هذه المدينة المقدسة، بل سيدة المدائن وزهرتها بكل معنى.

(3)
قد يكون تفاعل الشعر العربي والفلسطيني أوضح من تفاعل الأنواع الأدبية والثقافية الاخرى مع مدينة القدس، ولسنا بصدد دراسة هذه القصائد، وإنما حسبنا الإشارة إلى ما فيها من تنوع وتفاوت، مع غلبة الطابع الغنائي، استجابة لطابع أصيل في الشعر العربي ولطبيعة التفاعل مع مدينة محتلة مأسورة. ومن العلامات البارزة: قصيدة محمود درويش المبكرة-1967 (تحت الشبابيك العتيقة) وقصيدته المتأخرة-.... (في القدس):
"في القدس، أعني داخل السور القديم..
لا أمشي أطير أصير غيري في التجلي
لا مكان ولا زمان فمن انا
أنا لا أنا في حضرة المعراج لكني
أفكر وحده كان النبي محمد
يتكلم العربية الفصحى. وماذا بعد
ماذا بعد؟ صاحت فجأة جندية:
هو أنت ثانية؟ ألم أقتلك؟
قلت: قتلتني ونسيت مثلك أن أموت". لا تعتذر عما فعلت ص52

وأما قصيدة عز الدين المناصرة (القدس عاصمة السماء) 2009 فقصيدة هامة في سياق تشييد صورة القدس الشعرية، بما فيها من مادة معرفية وثقافية وتاريخية ذابت في نسيج القصيدة وكونت كلماتها.
أما قصيدة زهرة المدائن: يا قدس يا مدينة الصلاة عيوننا ترحل إليك كل يوم..قصيدة توفيق زياد التي غدت أغنية فيروزية ذائعة. وهي لا تختلف عن كثير من غيرها تؤدي وظيفتها العاطفية والغنائية باقتدار.
ولكن الشعر العربي دخل في العقود الأخيرة في مراحل من المحو والتضبيب على كل ما له علاقة بالمكان والهوية. وتأثر الشعر الفلسطيني بذلك وتأثرت ضمن ذلك صورة القدس وصار حضورها خجولا..وغائما..وسطحيا في كثير من الأحيان..
ومن العلامات عند الجيل الاحدث من الشعراء الفلسطينيين القصيدة التي اشتهرت لتميم البرغوثي..وتأخذ بنية جولة يقوم بها الشاعر أو الذات الشاعرة وتعكس تفاعل تلك الذات مع المكان بتعقيداته المتنوعة.
أما في المجال السردي فقد قدمت القصة القصيرة الفلسطينية والعربية نماذج متعددة تستوحي صورة القدس في فترات مختلفة من تاريخها الحديث. ومن علامات هذه المسيرة ما قدمه محمود شقير وخليل السواحري وغيرهما في الستينيات من القرن الماضي. كما في قصة "البلدة القديمة" لشقير وقصص مقهى الباشورة للسواحري.
وانقطع هذا الإنتاج بعد إبعاد الكاتبين خارج وطنهما. وبعد سقوط القدس عام 1967 وما حل فيها من فراغ بعد توقف الأفق الجديد وإغلاق منافذ الثقافة في المدينة قبل أن تنشأ بدايات جديدة في الأعوام اللاحقة.
وجهد محمود شقير منذ عودته إلى الوطن بعد إبعاد دام قرابة عقدين من الزمان جهد جدير بالاهتمام فقد كثف من الكتابة عن القدس بأسلوب أدبي متميز: كتب القصة القصيرة وكتب رواية تتصل بالقدس بصورة أو بأخرى. وكتب اليوميات وألوانا من الادب السيري والشخصي تؤرخ بصور متنوعة لحياة المدينة ولمقاومتها التي لا تتوقف. وتتميز كتابته بوعي خاص بما فيه من رؤية نقدية قادرة على قراءة الواقع ونقده. وعدم تبجيله تبجيلا يغطي على اختلالاته وعيوبه.
أدب السيرة والمذكرات واليوميات
مرت أطياف وصور هامة للقدس فيما نشر من سير ومذكرات ويوميات تخص كثيرين: جبرا، السكاكيني، النشاشيبي، واصف جوهرية، إدوارد سعيد، حازم نسيبة، إحسان الترجمان، عايدة النجار، ...
إن الضجة التي قامت على إثر صورة بيت أسرة إدوارد سعيد في سياق سيرته الذاتية تدلنا على خطورة التفاصيل الأدبية وأهميتها في آن. لقد أثار بهذا التفصيل دوائر صهيونية أمرييكية رأت في فعله خطابا يهدم الصورة الأسرائلية التي جرى تسويقها من دون رواية مقابلة. فكيف لو كتب آخرون صورهم وبيوتهم.
وقدمت عايدة النجار في كتابها السيري-التوثيقي (القدس والبنت الشلبية) جهدا يستحق الإشادة، فهو كتاب أقرب إلى فن السيرة يجمع بين الصورة والمعلومة والأثر الأدبي الشفاف ويوثق للحياة الإنسانية والتعليمية والاجتماعية في القدس من منظور تجربة المؤلفة ومحيطها وعلاقاتها في الخمسينيات والستينيات. ويمكن لهذا الكتاب أن يكون منبعا وموردا لكتب أدبية وإبداعية تستند إلى صوره ومعلوماته وروحه. فضلا عن دوره في توثيق الحياة الاجتماعية والإنسانية في مرحلة مؤثرة من مراحل حياة القدس وناسها.
الكتاب على بساطة فكرته مؤثر وقيم. ويدلنا على الحاجة الماسة لتقديم القدس في كل جوانبها لتقريب صورتها التي غمضت وانتزعت لحصرها في صور نمطية مكررة مهما تكن قيمتها فإنها لا ينبغي أن تطرد غيرها أو تغيب الصور الأخرى التي ربما تكون مفيدة للأدب وللكتابة أكثر من الصور النمطية.
الكلية العربية
هناك مجموعة سير كتبها أدباء وعلماء ممن تعلموا في الكلية العربية في ثلاثينات واربعيات القرن الماضي وهي تقدم أيضا صورة للنظام التعليمي ولبعض اعلام القدس وفلسطين في تلك الفترة ممن عملوا في الكلية العربية.
سير أعلام القدس ويومياتهم. بل سير العائلات والأسر المقدسية وسير الناس العاديين وصورهم ووثائقهم ومعالم حياتهم. كل ذلك يغدو مادة ثقافية هامة في تثبيت صورة القدس ومنعها من الامحاء.
الرواية هي الفن الذي لم يزل ناقصا في القدس، ومع أن عددا من الروايات الفلسطينية والعربية قد اتخذت من القدس موضوعا ومناخا لها، إلا أنها تعد محدودة سواء من الناحية الكمية أو النوعية. ويمكن القول مع التقدير للمحاولات المنجزة حتى الآن أن رواية القدس لم تولد بعد. الرواية العظيمة العالمية التي تستند إلى عظمة المدينة وتركيبها الثقافي والاجتماعي والتاريخي العظيم الغزير.
- درس صديقنا الدكتور حسن عليان في كتاب ضخم عنوانه: القدس الواقع والتاريخ في الرواية العربية (2012) فلم يجد شيئا ذا بال. وأعلن عجبه واستغرابه من هذه الجعجعة المزعجة التي لا ينتج عنها بضع روايات جيدة. وأنتم تعلمون مكانة الرواية كفن حديث مربتط بالمدن وقادر على تقديم قراءات مستفيضة تتصل بالمكان ودلالاته وروحه وقادر على النفاذ إلى نفس القارئ وإلى روحه ووعيه. وفي المقابل واجهنا الاعداء بسلسلة لا تنقطع من الروايات بأكاذيبها وتهيؤاتها ولكنه قام بواجبه في الدفاع عن باطله. بينما لم نقم نحن بواجبنا في الدفاع عن حقنا.
- ودرس الناقد وليد أبو بكر الرواية الفلسطينية المتصلة بالقدس وخرج بنتيجة قريبة مع فارق الألفاظ.
- وأعرب محمود شقير عن قلقه أيضا من الحضور الناقص للقدس في ادبنا الحديث.
- وأنا أيضا أضم صوتي إلى أصواتهم. ليس فقط متابعة لهم وتسليما بما انتهوا إليه ولكنني قبل هذه الندوة وأثناء التحضير لها لم اجد شيئا ذا بال يصح أن نرى فيه ذلك الأدب المأمول الرفيع الذي بمقوره أن يدافع عن القدس ويحسن تقديم صورتها بشروط تجمع بين قوة الادب وقوة الحق معا. ثمة صورة مبلبلة مضطربة وثمة هروب غير عفوي من التزامات القدس.

اللغة والأسماء ومحاولات المحو والتغيير:
للقدس أسماؤها، كل معلم منها مسمى، ويختزن في الاسم تاريخا وهوية-هويات..للمدينة أسماء، ولبواباتها أسماء، للأحياء أسماء، الشوارع، المساجد والأماكن الدينية، "الأسماء رموز تكثيف لمعان مضمرة، تتعمق عبر الاستخدام اليومي بشكل تراكمي، يسهم في كتابة تاريخ المكان. ربما كان الصهاينة على درجة عالية من الوعي بتلك الخصوصية المعرفية والسيكولوجية للأسماء؛ الأمر الذي دعاهم بعد أن أصبحوا متأكدين من جبروت قوتهم إلى تغيير جميع اللافتات المؤدية من القدس وإليها، إلى أسماء عبرية تهدف إلى تكريس تاريخ جديد لغرس مفهوم اليهودية الطارئ على هذه الجغرافيا. ترى إلى أي مدى يمكن أن يتورط الصهاينة في فعل التغيير هذا؟ هل سيطال رموزا راسخة كأسماء المقدسات والبوابات العتيقة؟؟"[4].
(مثال: حي تلبيوت هو تشويه لاسم حي الطالبية العربي في تاريخه وأصله)
إن التطور اللغوي الطبيعي في الأسماء وغيرها شيء مختلف تماما عن صور الاحتلال اللغوي والمحو العدواني الذي يقصد منه إخفاء الحقيقة، وإذا كانت الأجيال السابقة والمعاصرة تعرف الأسماء العربية وتستعملها فإن الأمر خطير في المرحلة القريبة القادمة، فللاسم سلطة الاستعمال وقوته، وينبغي مواجهة هذه الظاهرة اللغوية وتتبع ما جرى تغييره من أسماء بكل السبل، للمحافظة على قسم أصيل من هوية المدينة مما يختبئ في الأسماء وما يعكسه كل اسم من ذاكرة ثقافية تضحي مفردة مقاومة بمجرد بقاء الاسم واستمرار حياته.


(4)


وحين ننظر في الأدب العربي الفلسطيني والعربي الحديث نجد جهودا جديرة بالتقدير والاهتمام تطوع أدباء وفنانون لتقديمها. ولكنها تظل جهودا غير منظمة وغير مدعومة وفردية في معظم الأحيان. ولم يتشكل تيار فكري أدبي فني يتخصص في القدس ويجعل منها معركته الأساسية وهي بلا شك تمتلك مواصفات المكان الممتد الذي يتسع لكل حاجات الادب والفن والفكر.
-لقد لعب البعد عن المكان وعدم إمكانية التفاعل معه مباشرة دورا في ذلك فمعايشة المكان ولو مؤقتا تبدو مقدمة مهمة للكتابة عنه بالمعنى الإبداعي. وإن يكن في المتخيل فرصة واسعة لذلك.
- شهدت القدس تفريغا ثقافيا واسعا بعد توقف مجلة الأفق الجديد المقدسية عام 1966 وكأنها تحضير لاحتلال المدينة وبعد الاحتلال تم إبعاد عدد من رموز الأدب والفكر كمحمود شقير وخليل السواحري وسعيد مضية وغيرهم وظل الفراغ قائما لزمن طويل.
- ظل طابع الاهتمام بالقدس شعاراتيا وسياسيا بائسا، بعيدا عن تحويل ذلك إلى مشاريع ثقافية وإبداعية عميقة.
- صراع الطبقات التي احتاج تفكيكها إلى صدمات كثيرة أخر ظهور بيئة ثقافية متنورة تعي ما تتعرض له المدينة بطبقاتها وبمحيطها وبوجودها كله.
-ظل المقدسيون وحدهم في مواجهة الاحتلال بلا اي دعم أو مساندة حقيقية في المستوى الثقافي والحضاري.
-اليوم وفي ظل إمكانات التواصل الحديثة نأمل ان تتواصل الحركة الثقافية في القدس وحول القدس على المستوى العربي كله. وأن تولى إبداعات المقدسيين من أبناء المدينة وسكانها الاهتمام كل الاهتمام لأن تلك الإبداعات يمكن ان يخرج منها أعمال رفيعة تدافع عن المدينة وهن لغتتها وهويتها. وفي هذا الجانب ندعو للاهتمام باللغة العربية في الكتابة بوصفها احد أشكال الدفاع والمواجهة بعيدا عن اية دعوات لإضعاف الاهتمام بها بدعاوى أدبية مغرضة.
- لقد ظهرت كتابات "أدبية" كثيرة خلال النصف الثاني من القرن العشرين حول القضية الفلسطينية وحول القدس، ولكن القليل منها فقط أثبت حضوره ووجوده استنادا إلى قيمته الأدبية التي تكفل له الاستمرار. لقد أثبت ذلك أن الموضوع وحده لا يكفي لضمان تأثير الأدب وحياته، نحن محتاجون إلى تطوير بيئة أدبية تتمكن من إنتاج أعمال نحتاجها مضمونا ورؤية فوي الوقت نفسه تصمد وتجترح آفاقا إبداعية وأدبية وتتفوق من ناحيتها الأدبية فذلك وحده يكفل لها ما نريد من أثر. لقد خاض الأدب الفلسطيني تجربة أدب المقاومة ولم يبق منه إلا اعمال قليلة مؤثرة. ومع ذلك فمن دون الحرص على حضور القدس وتشجيع الكتابة عنها لا بد من أن يبقى هذا الملف مفتوحا ولا يغلق بدعوى أدبية كالتي أشرنا إليها، نريد كما كبيرا يطور التجربة ويسمح بتناميها وصولا إلى الاعمال المطلبوبة الرفيعة المؤثرة.
كيف يمكن بذل المزيد من الجهد لتقوية تيار ثقافي "مقدسي" الرؤية ينجز ويبدع ويطور إنتاجه حتى يغدو ظاهرة من ظواهر أدبنا وثقافتنا؟ تيار مستمر لا تيار موسمي. تيار راسخ عميق لا تيار احتفالي مهرجاني.

قدمت جهود كثيرة في مجال الثقافة بأشكالها المختلفة، وهي بلا شك متفاوتة، ويصعب أن يحاكمها فرد واحد ناهيك عن اتساعها وتشتتها بين مصادر ومظان متعددة. ولكني عوضا عن التورط في مثل هذه المغامرة غير المأمونة، سأحدثكم عن جوانب أعرفها أكثر من غيرها وتتركز في الجانب الأدبي السردي.
(6)
توصيات: برنامج ثقافي للاهتمام بالقدس
-   التوثيق: ويقتضي ضرورة تنظيم توثيق تراث القدس بكل تجلياته الدينية والمعمارية والشعبية والاجتماعية. فالقدس مهددة فعلا ولا مجال للتغاضي عن ذلك. ولا بد من توفير صورة دقيقة مفصلة عن كل وجه من وجوه القدس وثقافتها بكل امانة وبكل الوسائل التوثيقية الممكنة، بالتصميم المعماري والتصميم الفني بالتصوير والنحت والكتابة باستخدام الحاسوب ووسائل التوثيق الإلكتروني.
-       الثقافة الشعبية والحياة الاجتماعية:
-       أرشيف القدس: ويشمل وجودها في مختلف الصادر العربية والأجنبية وما ألف عنها
-   التأليف والبحث العلمي: إخضاع المادة المقدسية الموثقة للدراسة والبحث في مختلف المجالات التي تتصل بها تلك الجوانب.
-   الإبداع الأدبي والفني: دعوة المبدعين الفلسطينيين والعرب والمناصرين للتفاعل مع القدس وإبداع اعمال جديدة تستوحي المدينة المقدسة كلك حسب رؤيته ونوعية إبداعه. دعوة النقاد والباحثين للاهتمام اهتماما نوعيا وخاصا بما يكتب حول القدس ونقده وتقويمه ليساهم النقد الادبي والفكري في تطوير تناول موضوع القدس في الإبداع الادبي الذي تتميز به اللغة العربية. وثم تركيز جزئي ومهم هنا يخص أهمية كتابة "سيرة القدس" سيرة المكان وسيرة الإنسان. ولكن هذا الفن قد يكون أقرب لمن عاشوا في القدس وعايشوها من الأجيال المقدسية الأولى والجديدة. السيرة الذاتية تقدم تجربة إنسانية مهمة ويستقبلها القراء بحفاوة. وهي قادرة على توثيق عشرات بل مئات التجارب والشهادات التي كلما ارتفعت قيمتها الفنية توثقت الصورة الثقافية والإنسانية للمدينة. نحن مقصرون تركنا القدس ضبابية في صورة متعالية خالية في كثير من الأحيان من هذه الظلال التي تقرب المدن من الوجدان الإنساني الجمعي. وفي هذا المجال كان للسير والمذكرات واليوميات القليلة التي صدرت لعدد من الأعلام قيمة كبيرة واستقبال حسن وما تزال بالمعنى الأدبي والوثائقي مصدرا مهما يفتش فيه الناس عن عبق القدس وإنسانيتها...
-   ثقافة الأطفال: نفردها مستقلة لاعتقادنا ان هناك دورا مهما في هذا الجانب وإنتاج أعمال إبداعية ووسائل تعليم وألعاب وبرامج ذات صلة بالقدس في كل هذه المجالات
-   التعليم: التركيز على القدس والثقافة المقدسية في المناهج التعليمية في المدارس والجامعات، وإيلائها الاهتمام في نشاطات الطلبة وتزويد المكتبات المدرسية والجامعية بكل ما له صلةب القدس وثقافتها...والقيام بجهود متزايدة لتعميق مكانتها والوعي بالمخاطر التي تهددها في نفوس الشباب والنشء الجديد.
-   المكتبات والمعلومات: كانت القدس حاضرة علمية وثقافية وفيها مكتبات مشهورة عامة وشخصية. فيها كتب ومخطوطات. ولقد تعرضت للسرقة والنهب. وبعضها توزع هنا وهناك . فهل من سبيل لجمع هذه المكتبات والمطالبة بما تبقى منها..والمحافظة على ما يمكن جمعه والوصول إليه. ولا بد من بناء مكتبات للقدس تشمل مصادرها ووثائقها ومعلواتها ويشل ذلك بناء قواعد معلوات وبيانات وفق قواعد علمية حديثة.
-   الاستعانة باليونسكو وبالهيئات المعنية بحفظ التراث العالمي والإنساني وخوض معارك سياسية وثقافية في الأمم المتحدة لكشف ألاعيب العدو المحتل واعتدائه السافر المستمر على هذا المكان العربي-العالمي.
-   الدراسات الاكاديمية والعلمية: التاريخ والجغرافيا والآثار والدراسات الإنسانية والثقافية بعامة. ضرورة استمرار هذا الحقل مع العمل لإتاج دراسات جديدة بمناهج مستحدثة ترتفع إلى مستوى الصراع ومسؤوليته. مع علمنا بوجود تيارات مؤثرة من المؤرخين الجدد وقوافل من علماء (أو مزوري وسارقي) الآثار الذين يعيثون فسادا في تاريخ هذا المكان وفيما تبقى من معالمه. ولا يستجيبون لأية قرارات لليونسكو وغيرها من المظمات الدولية التي تدعو حتى بالمعنى العلمي للمحافظة على الاماكن التاريخية وعدم تغيير معالمها والعبث فيها. وبالتأكيد لا يتاح للعربي ان يقترب من القدس لتقديم دراسته وبحثه وقراءته. فالمدينة محتلة وثقافتها محتلة أيضا. والاهتمام بتحقيق ما لم يحقق من مخطوطات ووثائق وحفظها بالوسائل الحديثة. ودراسة أعلام القدس في المجالات الثقافية والعلمية والفنية ....ودراسة سجلات القدس في العصر العثماني وهي وفيرة في الأرشيف التركي..
-   اللغة والمعاجم: الاهتمام بالدراسات اللغوية سواء التي تدرس اللهجة-اللهجات في القدس ومحيطها..والدراسات التي تدرس اللغة المعاصرة واية تغييرات او مخاطر لها بتأثير العبرنة والتهويد فثم احتلال لغوي قادم او ممارس. وفي مجال المعاجم نحن محتاجون إلى معجم شامل للثقافة المقدسية يضم المفردات والمصطلحات ذات الصلة لحصرها وبيان أصولها ونقدها لتسهيل إيصال المعلومات حول القدس وتعميق ثقافتها ونشرها.
الفنون: التركيز على القدس في مختلف أشكال الفنون: الرسم والموسيقى والغناء والمسرح والدراما والأفلام..لما للفن من تأثير جماهيري متزايد. والعمل على دعم الفن الملتزم بعامة والفنون المرتبطة بالقدس على وجه الخصوص.
الترجمة: هناك مكتبة عالمية كتبت بمختلف اللغات العالمية تتصل بالقدس. ومن المناسب الاتصال بهذه المكتبة وترجمة أعمال مختارة منها وخصوصا ما يخدم قضية القدس. ويعزز مكانتها. فضلا عن أهمية جمع كل ما له صلة بلاقدس سواء اتفق مع مواقفنا أم لم يتفق. فمعرفيا لا بد أن نتابع كل ذلك ونعرفه ونواجهه في صورة جادة من صور الاهتمام بالقدس بوصفها مدينتنا وجوهر وجودنا وصراعنا مع الغاصبين.



[1] . جبرا إبراهيم جبرا، القدس، مجلة حوار، ع18، بيروت، 1965، ص5. وقد كتب د.محمد عصفور مقالة هامة عن (جبرا إبراهيم جبرا والقدس) افتتحها بالفقرة المذكورة وهي مفتتح مقالة جبرا عن القدس التي جمع فيها بين القراءة الثقافية التأملية والتجربة الشخصية عبر استذكاره لسكناه مع أسرته في جورة العناب في القدس. وهذه المقالة تؤكد لنا أهمية الكتابات الواعية العميقة التي لأصحابها صلة بالقدس وخبرة بجوها ومناخها الاجتماعي وروح المدينة في أزمنتها المختلفة. ومن الملائم أن تستخرج مثل هذه الكتابات ويعاد الاهتمام بها. (مقالة د.محمد عصفور في المجلة الثقافية، الجامعة الأردنية، العدد السابع والسبعون، 2009، ص20-31).
[2] . "ويقصد بالموضع البيئة بخصائصها ومواردها في ذاتها، أما الموقع فهو صفة نسبية تتحدد بالنسبة إلى توزيعات الأرض والناس والإنتاج حول المدينة، وتضبطه العلائق المكانية التي تربطه بها. والموضع خاصية محلية داخلية ملموسة، أما الموقع فهو فكرة هندسية غير منظورة". وتضيف قدورة وملكاوي –نقلا عن حمدان- "ليس للمدن الدينية مواقع، ثمة مواضع فقط، ومواضع خارقة. فالموقع منطقة بينما الموضع نقطة".
[3] . حذام قدورة وسهام ملكاوي، شخصية القدس، مرجع سابق،
[4] . حذام قدورة وسهام ملكاوي، شخصية القدس،في: مجلة المنتدى، العدد 245، المجلد الرابع والعشرون، 2009، منتدى الفكر العربي، عمان، ص77.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق