إحسان عباس..
رحلة ممتدة
د.محمد عبيد
الله
وُلد
إحسان عباس في قرية عين غزال من قرى حيفا أواخر
عام 1920، وفيها نال تعليمه الأول، ثم كان أول طالب يغادر القرية لإكمال تعليمه في
حيفا (وهناك تعرف على إميل حبيبي الذي ظلّ يذكر إحسان دوماً، بما فتح له من آفاق
المعرفة والتراث)، وانتقل من بعد إلى الكلية العربية في القدس، وهي أعلى مستوى
تعليمي في فلسطين والأردن في النصف الأول من القرن العشرين، ثم بعد تخرجه فيها عمل
معلماً في صفد (1941-1946).
هذه هي
المرحلة الفلسطينية في حياته، قبل أن يغادر وطنه، ولا يتمكّن من العودة إليه
أبداً، في تلك المرحلة تتكون الركائز الكبرى في شخصيته وثقافته.. لكن من أبرز ما
فيها تجربته الشعرية التي بدّدها وضحّى بها لاحقاً.. وهي تبدو تجربة لافتة حين
نعود إليها اليوم، إذ تقع ضمن التيار الرومانسي، بل ضمن أفضل نماذجه، ينشد للرعاة
وللطبيعة، ويكتب شعراً رعوياً مثقفاً رؤيوياً، متأثراً بصميم التجربة، وبنماذج
جديدة من الشعر الإنجليزي الرعوي آنذاك، وقد جمع شعره لاحقاً (عام 1992) بإلحاح من
أصدقائه وتلاميذه وطُبع بعنوان (أزهار برية، طبعة دار الشروق في عمّان)، لتتكشف
لمن لا يعرف هذه المرحلة من حياة الراحل تجربة شعرية ومِلكة إبداعية أصيلة بددها
صاحبها اختياراً بعد نكبة 1948، لأن إحسان – كما يعترف- لم يستطع أن يتحول من
الذاتي الوجداني إلى العام الجماعي أو الوطني.. لم يستطع أن يحول تجربته للتعبير
عن نكبة وطنه وأهله، فاختار طريق الصمت تعبيراً عن التزامه الذي لا يعرف مناطق
الوسط.
وقد خرجت
قرية عين غزال أسماء لامعة تبعت إحسان عباس فيما بعد (المرحوم بكر عباس، المترجم
والمبدع، فهمي جدعان، الفيلسوف والمفكر، ومحمد عصفور المترجم والناقد..) لم تغب أبداً
عن قلب ابنها ولا ذاكرته.. وقد خصها في سيرته (غربة الراعي) بنصيب وافر من التذكار
والمحبة. وفي مقدمة (أزهار برية) كتب عنها: "موقعها الجميل على ربوة من رُبى
الكرمل، تطل على سهل ساحلي متد حتى البحر، وتتمتع بطبيعة جميلة تجمع بين الجبال
والتلال والأشجار والكروم والأزاهير البرية وأنواع المزروعات الشتوية والصيفية،
وإلى طبيعة الترحيب والإكرام والحفاوة التي أجدها من أهلها الرعاة كلما عدتُ من
المدينة في الإجازات المدرسية، وإلى صداقات حميمة بيني وبين لداتي في مدرسة
القرية، وإلى النُزَه التي نقوم بها في المناطق الجبلية والسهلية، سهراتها في ضوء
القمر، وإلى زيارة القرى المجاورة..." كان يحنّ إلى تلك التفاصيل الإنسانية
البسيطة.. رغم كل ما بلغته حياته من تواصل وتركيب وعلاقات على مدى تجربته الممتدة.
من شعره
في قريته (عام 1943) يقول:
يا
قريتي هل أنتِ إلا الصّبــا أرمقُهُ
بالخافـقِ المجفـلِ
هل
أنتِ إلاّ الكوخُ يحْنو علـى بؤْسي حنوّ
الحادب المطْفلِ
لا
تنكري لفْتـةَ قلبـي إلــى بقيّةٍ
منْـهُ لـدى منزلـي
غربة الراعي:
تروي (غربة الراعي) سيرة ذاتية "تمثل تجربة إنسان
حاول في كل خطواته أن يخلص للعلم بصدق ومحبة"، وهذا الإنسان هو إحسان عباس
الذي (ملأ الدنيا وشغل الناس) بأبحاثه وإنجازاته في حقول ثقافية ومعرفية متنوعة
تعجز عن ارتيادها مؤسسات بأكملها، ولكنه بما أوتي من جلد ومن قدرة على قمع الذات
استطاع أن يُنجز كل ما نعرفه من إنتاجه الغزير والمتنوع.
وتمتد هذه
السيرة من مولد إحسان عباس في 2/12/1920 الذي يحدثنا عنه في الباب المعنون بـ (ما
قبل الرموز) وما أثير حول هذا الميلاد من أحاديث وحكايات سمعها من أهله فيما بعد.
أما ما يرويه إحسان عن نفسه فيبدأ من سن الرابعة عندما خرج الطفل لأول مرّة من
البيت إلى الخارج.. من المكان الأليف إلى المكان الموحش، فكان سؤال الوجود الكبير
يترصّده عندما رأى الطفل "غيمة قد أصبحت في شكل جمل فاغر فمه، عندها أدركه
شيء من الخوف حفزه إلى العودة، فعاد يهمس لنفسه، جمل في الأفق السماوي، لعلّه..
لعلّه الإله الذي يكثر الناس من ذكره".
هكذا
ابتدأت رحلة الطفل بسؤال الوجود، فكان هذا الأمر بداية احتراف المعرفة وبداية
الطريق الطويل الذي حاول فيه إحسان عباس أن يجيب على أسئلة شتى في مختلف أعماله
وأبحاثه.
وثمة أمر
آخر يلفتنا منذ طفولة إحسان عباس وهو حضور هاجس الموت الذي أكدته قسوة الطبيعة في
المجتمع الريفي والبيئة الاجتماعية في الريف إضافة إلى ظروف الاستعمار وتهديده
المستمر للفلسطينيين. وهكذا يموت أحمد الريشان وسلامة الخليل وموسى القليط والطفل
حسن وسواهم. ويظل هاجس الموت محركاً لإحسان عباس في المراحل التالية إذ يظل يعتقد
أنه لن يعمّر طويلاً بعد الثلاثين فيندفع باتجاه العلم، وكأنه بذلك يدفع الموت عن
نفسه، وظل في إخلاصه واندفاعه حتى تمكن من ضمان الخلود عبر الإنتاج الضخم الذي
أنجزه.
تحاول
السيرة أن تكثّف تجارب إحسان منذ قريته (عين غزال) مروراً بالقرى والمدن
الفلسطينية التي تنقّل بينها (حيفا وعكا والقدس وصفد) وتنتهي الحقبة الفلسطينية
عام 1946 ليغادر فلسطين باتجاهه مصر ويكمل دراسته في جامعة القاهرة، ثم ينتقل إلى
السودان (الخرطوم) ويقيم فيها عشر سنين أستاذاً في كلية غوردون التذكارية التي
أصبحت فيما بعد (جامعة الخرطوم). وفي عام 1960 ينتقل إلى بيروت وتطول إقامته فيها
إلى أكثر من رُبع قرن وهي الحقبة التي تمثل قمة عطاء إحساس عباس وشهرته، ثم ينتقل
إلى عمّان بعد صراع طويل مع أحوال بيروت وحربها عام 1986م.
وإلى جانب
هذه المحطات الأساسية في حياة إحسان عباس هناك عشرات الأماكن والمدن الأخرى، حيث
زار جامعات العالم المرموقة أستاذاً زائراً أو مشاركاً في مؤتمراتها أو باحثاً عن
مخطوطات التراث العربي والكتب النادرة.
هذا هو
الإطار العام لهذه السيرة الخصبة، التي تعيدنا إلى مناخ الأفذاذ من أعلام الثقافة
العربية، ويضيء لنا شخصية إحسان عباس وجوانب متنوعة من عصره سواء في فلسطين أو في
خارجها، وساعد على إضاءة هذه الجوانب تواضع إحسان عباس وصدقه، إذ لم يربط كل شيء
بذاته، ولم يسمح للذات أن تغطي كل شيء، ولذلك نجد صورة صادقة وحميمة لعوالم وأنماط
وحيوات صاحبها إحسان في تنقله وتجواله وأتاح لها أن تظهر وتتضح إلى جانب صورة
إنسان كبير بتواضعه وإخلاصه وصدقه.
عاش إحسان
عباس ستة وعشرين عاماً في فلسطين حتى غادرها عام 1946 ونلاحظ أن هذه الحقبة امتدت
على (172) صفحة من السيرة بينما نالت الحقب التالية مجتمعة مائة صفحة، ولعل هذا
الاتساع يشير إلى عمق الاتصال الوجداني، ففلسطين هي الطفولة والصبا والذكريات
والصداقات الأولى، وندهش في هذا الجزء من السيرة بهذه الذاكرة المتقدة التي تستعيد
التفاصيل والأسماء والملامح بدقة، مع أنه يكتب عنها في سن الشيخوخة عندما بعُد
العهد بها، ويتخذ إحسان عباس من مسيرته الثقافية والعلمية أساساً وجوهراً يبني من
حوله ما يتصل بشتى جوانب الحياة التي عاشها.
ابتدأ
إحسان الطفل من الحكايات الشعبية ومن الآيات التي يتلوها الأب في صلاة الصبح قبل
أن يدخل مدرسة القرية ويقضي فيها سنواته الأولى، ثم ينتقل إلى حيفا ويكون أول طالب
من عين غزال يرحل إلى حيفا لطلب العلم ويبرز في سياق هذا الانتقال الاختلاف بين
البيئة الريفية وبيئة المدينة على مستوى التفاصيل الصغيرة (المباني، الطعام،
اللهجة، السلوك..).
ويعرّفنا
إلى المعلمين الذين أخذ عنهم في حيفا، ومن بينهم مدرس الدين الشيخ تقي الدين
النبهاني مؤسس حزب التحرير الإسلامي من قرية إجزم إحدى قرى حيفا. وكذلك يتذكر بعض زملائه
في المدرسة ومن بينهم (أميل حبيبي) الروائي والسياسي الشهير فيما بعد.
ويتنقّل الفتى
بين بيوت متعددة ويصف هذه البيوت وأهلها فيرصد جانباً من العلاقات الإنسانية ويضيء
الظروف القاسية التي عاشها في حيفا رييا غريباً وفقيراً، لكنه كان يكافح لأنه أول
طالب يغامر بمغادرة القرية إلى المدينة وعودته إلى عين غزال تعني إغلاق التعليم
أمام أي طالب آخر يفكر في إكمال التعليم.
هكذا يحسّ
إحسان بالمسؤولية تجاه الآخرين منذ ذلك العمر، ويوغل في الكفاح ويحتمل كل الظروف
القاسية ويُظهر نبوغاً ووعياً مبكّراً أهّله للدخول إلى الكلية العربية بالقدس عام
1937 وكان ترتيبه الثالث بين زملائه. وكانت الكلية العربية هي أعلى مستوى تعليمي
في فلسطين آنذاك.
وطوال هذه
المسيرة يضيء لنا إحسان عباس التاريخ الوجداني والنفسي للبشر الذين عاش معهم وينقل
معالم الحياة العمرانية والاجتماعية والثقافية والسياسية في فلسطين ويضيء النضال
الفلسطيني ضد الانتداب واليهود حتى لتصبح غربة الراعي سيرة لفلسطين في تلك الأيام
من خلال هذه الإضاءات المدهشة التي تلتقط التفاصيل وتربط بينها من خلال اتصالها
بشخصية صاحب السيرة وتأثيرها فيه.
ولا يتوقف
امتداد فلسطين في هذا الجزء من السيرة فحسب، بل يمتد إلى الحقب التالية في هيئة
استرجاعات وتأثيرات متنوعة، فهو يعود إليها من خلال الذاكرة ومن خلال اتصاله
بأصدقائه وأهله ومعارفه ممن نشرتْهم الحرب في الشتات عام النكبة.
ولا بد من
الإشارة إلى الحنين الغامر الذي تفيض به السيرة خصوصاً في الحقبة الفلسطينية،
الحنين إلى الناس والأمكنة وسائر المناخات التي شكّلت حياة إحسان عباس وأثّرت
فيها، كما نلتفت إلى الصدق والموضوعية اللّذين شكّلا شخصية إحسان وطبَعا حكايته
الجميلة بكل ما هو إنساني وحميم.
من عين غزال إلى العالم
انتقل إحسان عباس عام
1946 إلى القاهرة، بهدف إكمال دراسته، وواصل مرحلته المصرية حتى أنهى دراسة
الدكتوراه، وفيها بدأ عطاءه المبكر وصلاته الأولى مع الأدب والثقافة والنقد. وبدأ
وجوداً جديداً قائماً على إثبات الذات، وتثبيت هويتها. ثم عاش في الخرطوم مدرساً
في جامعتها مدة عشر سنوات اتجه فيها إلى
إبراز شخصيته العلمية، وخصوصاً في حقل تحقيق التراث والنقد الأدبي. ومن الخرطوم
انتقل إلى بيروت، وعاش حقبته الفردوسية فيها، تلك الحقبة التي شهدت شهرته الواسعة،
وتكريس اسمه في أوساط الثقافة العربية والعالمية، فضلاً عن إنتاجه الغزير تأليفاً
وتحقيقاً وترجمة، ليتم فيها ربع قرن من العطاء حتى عام 1986، وانتهت الحقبة
بتقاعده من الجامعة الأمريكية، فانتقل إلى عمّان وقضى حقبة عطاء متجددة، رغم أنها
تزامنت مع الشيخوخة ومتاعبها... مع ذلك أنجز فيها عباس عدداً من مؤلفاته الأخيرة
في مجال التاريخ والتحقيق، وساهم في الحركة الأكاديمية والثقافية مساهمة طيبة،
فكان حضوره بهياً مضيئاً، وكان بيته حلقة علم مفتوحة دوماً، لكل من يطرق بابه.
وظلت كتبه ومشاريعه مفتوحة حتى آخر لحظات عمره النبيل.
ويمكن تمييز دوائر بارزة في اهتمامه
وعطائه: أولها دائرة التراث وهي دائرة محببة عنده، ويتجلى اهتمامه
التراثي في دراساته حول التراث العربي أدباً وفكراً، فوضع مثلاً دراسات عن بعض
أعلام التراث، كما وضع كتاباً في مجلدين حول (تاريخ الأدب الأندلسي)، معتمداً على
مصادر مطبوعة ومخطوطة حول التراث الأندلسي، إضافة على دراسات تراثية هامة ظهرت في
صورة كتب أو بحوث أو مقالات.
أما الجانب التراثي
الآخر الذي طبع شخصية عباس، فهو نشاط التحقيق، هذا النشاط الصعب الذي يحتاج
جهداً وصبراً وعدّة متميزة، ويسلك اسم إحسان عباس في مقدمة المحققين الذين اتبعوا
منهجاً فريداً، يقوم على قراءة النصّ وفهمه وشرحه، وليس رسم صورة المخطوط، كما هو
حال المدرسة الاستشراقية. وكان عباس من ألمع الناس الذين تمرّسوا في قراءة
المخطوطات مهما تكن عويصة وصعبة، ورغم ما بدده من وقت وجهد، فإن ذلك لم يذهب سدى،
إذ وفّر للمكتبة العربية مجموعة كبيرة من الموسوعات والمصنفات العربية التي أفادت
منها الأجيال المعاصرة، وستظل دوماً شاهداً على علم الرجل وصبره وإخلاصه.
حقق إحسان عباس ما
يزيد على خمسين عنواناً من مصادر التراث ومظانه، شعراً ونثراً، وبعض هذه العناوين
موسوعات ضخمة في عدة مجلدات، ويزيد ما حققه ونشره يزيد على مائة مجلد/ جزء من
التراث العربي، وإذا تذكرنا قيمة تحقيقات إحسان عباس، وما اتفق عليه أهل العلم من
بلوغها الدرجة العليا في الإتقان والجودة، أمكننا أن نتصوّر مبلغ الجهد الذي بذله،
والانقطاع الذي عاناه من أجل العلم وخدمة الثقافة العربية بزهد وتفان وجلد، وإذا أضفنا
إلى عمله في التحقيق مجالات اهتمامه الأخرى في البحث والتأليف والنقد والترجمة،
إضافة إلى عمله الذي لم ينقطع في التدريس الجامعي والمشاركة في وجوه النشاط العلمي
والثقافي من مؤتمرات وندوات، أمكننا أن نرى تجربته تجربة مفردة لا نظير لها في
الثقافة العربية المعاصرة.
وفي حقل الترجمة،
قدم عباس ترجمة عن الإنكليزية لكتاب فن الشعر لأرسطو، كما ترجم بالاشتراك مع بعض
زملائه كتاب النقد الأدبي لستانلي هايمن، وكذلك دراسات في الأدب العربي لفون
غرنباوم، وشارك ناصر الدين الأسد في ترجمة كتاب يقظة العرب لجورج أنطونيوس، وترجم بالاشتراك
مع بكر عباس كتاب الرواية الحديثة لزيولكوفسكي، وترجم منفرداً كتاباً عن (مدن بلاد
الشام حين كانت ولاية رومانية) وكتاباً عن إليوت للإنجليزي ماتيسن. وأما ترجمته
للرواية العالمية (موبي ديك) لهرمان ملفل، فمثال رفيع على الترجمة الأدبية
الأمينة، التي تضاهي في جمالها وبلاغتها مستوى النصّ الأصلي.
أما شخصية إحسان عباس
المؤرخ فإنها لا تنفصل عن طبيعته المتنوعة التي تؤمن بوحدة الثقافة
العربية، وقد بدأ نشاطه التاريخي منذ مرحلة مبكرة في الخرطوم واستمر حتى أواخر
حياته، عندما عمل في إطار لجنة تاريخ بلاد الشام، فكتب في هذا المجال: تاريخ بلاد
الشام منذ العصر البيزنطي حتى نهاية عهد الخلفاء الراشدين، كما ساهم في الكتابة
ضمن المشروع نفسه حول تاريخ بلاد الشام في العصر العباسي. وتتبع الحضارة النبطية
وكتب عنها مؤلفاً هاماً هو المعروف باسم (تاريخ دولة الأنباط) وله كتاب آخر في
التاريخ الحضاري والثقافي هو المعنون بـ (فصول حول الحياة العمرانية والثقافية في
فلسطين).
كذلك يصعب أن ينسى
المرء إحسان عباس المبدع، الذي ظل رغم جديته وصرامته العلمية، شاعراً موهوباً كتب
في شبابه ديواناً أفرج عنه صاحبه في حقبته الأخيرة باسم (أزهار برية) وهو أقرب ما
يكون للشعر الرعوي المتطهر، الذي يدور حول هموم الذات في عالم الطبيعة والقرية، مع
ثقافة واطلاع على الشعر العربي. وفي الإطار الإبداعي نقرأ سيرته الذاتية (غربة
الراعي) التي صدرت عام 1996. وتمثل هذه السيرة تجربة إنسان حاول في كل خطواته أن
يخلص للعلم بصدق ومحبة.
الجهود النقدية
لإحسان عباس
وأما جهوده النقدية
فتمتد بين الاهتمام بالنقد العربي القديم، وصولاً إلى نقد الأدب الحديث، وتعنى
بفنون مختلفة، وإن كان عباس أميل إلى التخصص في مجال نقد الشعر أكثر من السرد، فقد
صعد إحسان عباس مع صعود تجربة الشعر الحديث، بل أسهم هو نفسه في تثبيتها وتحقيق
الاعتراف بها، وظل هذا الاهتمام متواصلاً مع غيره من اهتمامات عباس، فأنجز ضمن
الإطار نفسه كتابه المعروف (اتجاهات الشعر العربي المعاصر) وهو ثاني إصدارات سلسلة
عالم المعرفة الكويتية المرموقة عام 1978.
وفي إطار النقد
القديم عند العرب، وضع الراحل كتاباً مركزياً هو كتابه المعروف (النقد الأدبي عند
العرب) وهو خلاصة سنوات من البحث عند النقد العربي وتتبع خيوطه في مصنفات ومخطوطات
متنوعة، كانت خلاصتها كتاباً مركزياً في ثقافتنا المعاصرة في رؤيته وموضوعاته
ومنهجيته وسعة مصادره المطبوعة والمخطوطة.